فصل: ذكر بيبرس البندقداري.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ذكر بيبرس البندقداري.

في تاريخه حكاية غربية عن سبب دخول التتر لبلادهم بعد أن عد شعوبهم فقال ومن قبائلهم يعني القفجاق قبيلة طغصبا وستا وبرج أغلا والبولى وقنعرا على وأوغلي ودورت وقلابا أعلى وجرثان وقد كابركي وكنن هذه إحدى عشرة قبيلة وليس فيها ذكر الشعوب العشرة القديمة الذكر التي عددها النسابة كما قدمناه أول الترجمة وهذه والله أعلم بطون متفرعة من القفجاق فقط وهي التي في ناحية الغرب من بلادهم الشمالية فإن سياق كلامه إنما هو في الترك المجلوبين من تلك الناحية لا من ناحية خوارزم ولا ما وراء النهر قال بيبرس ولما استولى التتر على بلادهم سنة ست وعشرين والملك يومئذ بكرسي جنكزخان لولده دوشي خان واتفق أن شخصا من قبيلة دورت يسمى منقوش بن كتمر خرج متصيدا فلقيه آخر من قبيلة طغصبا اسمه آقاكبك وبين القبيلتين عداوة مستحكمة فقتله وأبطأ خبره عن أهله فبعثوا طليعة لاستكشاف أمره اسمه جلنقر فرجع إليهم وأخبرهم وأنه قتل وسمى لهم قائله فجمعوا للحرب وتزاحفت القبيلتان فانهزمت قبيلة طغصبا وخرج أقاكبك القاتل وتفرق جمعه فأرسل أخاه أقصر إلى ملكهم دوشي يستعلم ما على ذوي قبيلة دورت القفجاقية وذكره ما فعل كتمر وقومه بأخيه وأغراه بهم وسهل له الشأن فيهم وبعث دوشي خان جاسوسه لإستكشاف حالهم واختيار مراسهم وشكيمتهم فعاد إليه بتسهيل المرام فيهم وقال إن رأيت كلابا مكبين على فريستهم متى طردتهم عنها تمكنت منها فأطمعه ذلك في بلاد القفجاق واستحثه أقصر الذي جاء صريخا وقال له ما معناه نحن ألف رأس تجر ذنبا واحدا وأنتم رأس واحد تجر ألف ذنب فزاده ذلك أغراء ونهض بجموع التتر فأوقع بالقفجاق وأثخن فيهم قتلا وسبيا وأسرا وفرقهم في البقاع وامتلأت أيدي التجار وجلبوهم إلى مصر فعوضه الله بالدخول في الإيمان والاستيلاء على الملك والسلطان انتهى كلام بيبرس ومساق القصة يدل على أن قبيلة دورت من القفجاق وأن قبيلة طغصبا من التتر فيقضي ذلك أن هذه البطون التي عددت ليست من بطن واحد وكذلك يدل مساقها على أن أكثر هؤلاء الترك الذين بديار مصر من القفجاق والله تعالى أعلم.

.الخبر عن استبداد الترك بمصر وانفرادهم بها عن بني أيوب ودولة المعز أيبك أول ملوكهم.

قد تقدم لنا أن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل بن العادل قد استكثر من المماليك الترك ومن في معناهم من التركمان والأرمن والروم وجركس وغيرهم إلا أن اسم الترك غالب على جميعهم لكثرتهم ومزيتهم وكانوا طوائف متميزين بسمات من ينسبون إليه من نسب أو سلطان فمنهم العزيزية نسبة إلى العزيز عثمان بن صلاح الدين ومنهم الصالحة نسبة إلى هذا الصالح أيوب ومنهم البحرية نسبة إلى القلعة التي بناها الصالح بين شعبتي النيل أزاء المقياس بما كانوا حاميتها وكان هؤلاء البحرية شومة دولته وعصابة سلطانه وخواص داره وكان من كبرائهم عز الدين أيبك الجاشنكير التركماني ورديفه فارس الدين أقطاي الجامدار وركن الدين بيبرس البندقداري ولما كان ما قدمناه ووفاة الصالح بالمنصورة في محاصرة الإفرنج بدمياط في سنة سبع وأربعين وكتمانهم موته ورجوعهم في تدبير أمورهم إلى شجرة الدر زوجة الصالح وأم ولده خليل وبعثهم إلى ابنه المعظم تورانشاه وانتظاره وأن الإفرنج شعروا بموت الصالح فدلفوا إلى معسكر المسلمين على حين غفلة فانكشف أوائل العسكر وقتل فخر الدين الأتابك ثم أفرغ الله الصبر وثبت أقدامهم وأبلى أمراء الترك في ذلك اليوم بلاء حسنا ووقفوا مع شجرة الدر زوج السلطان تحت الرايات ينوهون بمكانها فكانت لهم الكرة وهزم الله العدو وثم وصل المعظم تورانشاه من كيفا فبايعوا له وأعطوه الصفقة وانتظم الحال واستطال المسلمون على الإفرنج برا وبحرا فكان ما قدمناه من هزيمتهم والفتك بهم وأسر ملكهم الفرنسيس ثم رحل المعظم أثر هذا الفتح إلى مصر لشهرين من وصوله ونزل بفارس كور يريد مصر وكانت بطانته قد استطالوا على موالي أبيه وتقسموهم بين النكبة والإهمال فاتفق كبراء البحرية على قتله وهم أيبك وأقطاي وبيبرس فقتلوه كما مر ونصبوا للملك شجرة الدر أم خليل وخطب لها على المنابر ونقش اسمها على السكة ووضعت علامتها على المراسم ونصها أم خليل وقام أيبك التركماني بأتابكية العسكر ثم فودي الفرنسيس بالنزول عن دمياط وملكها المسلمون سنة ثمان وأربعين وسرحوه في البحر إلى بلاده بعد أن توثقوا منه باليمين أن لا يتعرض لبلاد المسلمين ما بقي واستقلت الدولة بمصر للترك وانقرضت منها دولة بني أيوب بقتل المعظم وولاية المرأة وما اكتنف ذلك فامتعضوا له وكان فتح الدين عمر بن العادل قد حبسه عمه الصالح أيوب بالكرك لنظر بدر الصوابي خادمه الذي ولاه على الكرك والشويك لما ملكها كما مر فاطلق بدر الدين من محبسه وبايع له وقام بأمره ولقبه المغيث واتصل الخبر بمصر وعلموا أن الناس قد نقموا عليهم ولاية المرأة فاتفقوا على ولاية زعيمهم أيبك لتقدمه عند الصالح وأخيه العادل قبله فبايعوا له وخلعوا أم خليل ولقبوه بالمعز فقام بالأمر وانفرد بملك مصر وولى مولاه سيف الدين قطز نائبا وعمر المراتب والوظائف بأمراء الترك والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.